وكالة خبر Wkalt 5abar وكالة خبر Wkalt 5abar
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

اذا اعجبك الموضوع اضف تعليق

حصار الكوت وهزيمة مُذلة لبريطانيا

حصار الكوت وهزيمة مُذلة لبريطانيا

فلماذا أراد البريطانيون احتلال العراق؟ وكيف كانت خطتهم في التوغُّل البري والعسكري؟ وكيف استطاع العثمانيون إيقاعهم في الفخ ومحاصرتهم طوال أشهر في منطقة كوت العمارة؟ ذلك ما سنراه في قصتنا التالية.

حين بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها ونفوذها في عصر السُّلطان سليمان القانوني (1520-1566) وبعض مَن تلاه من أبنائه وأحفاده، مع رغبة العثمانيين في توسيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بعض الدول الأوروبية، مُنِحت فرنسا بعض الامتيازات في التجارة ورعاية المسيحيين المشرقيين وفق اتفاقية بين الجانبين سنة 1535، ثم رغبت بريطانيا في الحصول على مثل هذه الامتيازات خصوصا بعد تعاظم نفوذهم البحري في الخليج العربي منذ القرن السابع عشر الميلادي بعد طرد البرتغاليين، ولهذا السبب، وبعد مفاوضات بين العثمانيين والبريطانيين، وُضِعت اتفاقية الامتيازات البريطانية عام 1675 واستمرت حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918.

كان من جملة هذه المزايا التي حصل عليها البريطانيون سماح العثمانيين لهم بالتجارة والنقل في نهر دجلة فيما بين بغداد إلى البصرة والعكس، وقد تزايد النفوذ البريطاني في العراق مع النمو المُطَّرِد لتجارتهم، فترتَّب على ذلك ارتفاع منزلة الوكيل البريطاني في بغداد كلوديوس جيمس ريتش الذي حاول أن يصبح ذا نفوذ سياسي، وهو ما تمَّ له في عهد كلٍّ من عبد الله باشا وسعيد باشا اللذين توليا منصب باشوية بغداد بمساندته وتدخُّله لدى الباب العالي، وأدرك داود باشا الذي تسلَّم المنصب ذاته خطورة التدخُّل البريطاني في شؤون العراق، وحاول زيادة الضرائب على تجارة البريطانيين لكنه فشل في ذلك، وإن استطاع طرد ريتش من العراق سنة 1821.

لكن مع دخول الدولة العثمانية في حالة من الضعف منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وزيادة التنافس بين كلٍّ من روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا على أقطار الشرق الأوسط، فقد رأت هذه الأخيرة أن السيطرة على المضايق البحرية والطريق إلى الهند ومصافي النفط في عبادان ومناطق الأهواز في إيران هي مصالح عليا للإمبراطورية البريطانية يجب حمايتها بكل طريق ممكنة، وأن الدولة العثمانية التي كانت تُوصَف بالرجل المريض كانت وهي في سرير مرضها وأشد لحظات ضعفها لا تزال تعوق هؤلاء الوحوش الأوروبية والروسية عن تحقيق أهدافهم ومراميهم في الشرق الأوسط، وعلى الرأس منها -بالنسبة إلى بريطانيا- السيطرة على العراق.

أدَّى احتلال البصرة بسهولة إلى شعور الإنجليز بالزهو، واستطاع مكتب الهند البريطاني أن يقنع المسؤولين في لندن بأهمية مواصلة الحملة لاحتلال معظم الأراضي العراقية، فعُيِّن أحد الجنرالات المخضرمين وهو الجنرال السير جون نيكسون لقيادة حملة "ما بين النهرين" في 9 إبريل/نيسان عام 1915، وأدَّى ذلك إلى موافقة حكومة الهند على تقدُّم القوات البريطانية شمالا، لكن ما لم يُدركه البريطانيون أن العثمانيين كانوا يُعِدُّون لهم فخا في الشمال.

كانت المناطق الواقعة بين البصرة وبغداد تتميز بكثرة المستنقعات ووعورة الطريق ما بين أوحال وصحارٍ، فتقدَّم الإنجليز بقيادة الجنرال نيكسون يعاونه الجنرال تشارلز تاونسند حتى وصلوا إلى منطقة سلمان باك على مقربة من ثلاثين إلى أربعين كيلومترا جنوب بغداد، وهناك وقع الإنجليز في فخ العثمانيين الذين باغتوهم في معركة ضارية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1915، فتلقى البريطانيون ضربة قاصمة اضطرتهم للتقهقر صوب مدينة الكوت التابعة لمحافظة واسط جنوب بغداد بـ 180 كم، وهناك استطاع الجيش العثماني بقيادة خليل باشا إطباق الحصار الخانق على فلول القوات البريطانية المنهزمة بقيادة تاونسند.

حاول البريطانيون مرارا إرسال قوات مُسلَّحة لفك الحصار عن حملتهم الفاشلة، لكنهم رُدوا على أعقابهم، وبدأ المحاصرون في السقوط من الجوع والعطش وانتشار الأمراض، وحاول البريطانيون فك الحصار عن طريق دفع فدية بلغت مليون ريال ذهبي، لكن العثمانيين رفضوا، واستمر حصار الكوت مئة وستة وأربعين يوما، في نهايتها اضطر البريطانيون إلى التفاوض على شروط الاستسلام في 26 إبريل/نيسان 1916، حيث أصرَّ الأتراك على الاستسلام الكامل بدون شروط، فأُخذ قائد الجيش اللواء تشارلز تاونسند أسيرا إلى إسطنبول، وسيق الجنود البريطانيون إلى بغداد ومنها إلى الأناضول حيث عملوا في السخرة وفي بناء خط سكة حديد (برلين – بغداد)، وهناك قضى الكثيرون منهم نحبهم بسبب المرض والأعمال الشاقة.

كانت هذه الهزيمة ضربة مُذِلَّة للإمبراطورية البريطانية وهي في عنفوان قوتها؛ حيث سقط خلالها ما يقرب من 30 ألف قتيل بريطاني، وفي ذلك يقول المؤرخ الأميركي ديفيد فرومكين في كتابه "سلام ما بعده سلام" عن الجنود البريطانيين المأسورين إنهم "سيقوا إلى مسيرة موت قطعوا خلالها مئة ميل إلى بغداد وخمسمئة ميل أخرى إلى الأناضول، وهناك أُرغموا على العمل في بناء السكك الحديدية وهم مقيدون بالسلاسل، ولم يبقَ منهم على قيد الحياة سوى عدد قليل، لقد مُنيت قوات تاونسند بأكثر من 10 آلاف إصابة منذ بدء زحفها نحو بغداد وحتى استسلامها، ومُنيت القوات البريطانية التي جاءت لإنقاذها في كوت العمارة بثلاثة وعشرين ألف إصابة… كانت هذه مذلة قومية أخرى حلَّت ببريطانيا على يد عدوّ عثماني كان المسؤولون البريطانيون يعتبرونه دائما عديم الفاعلية، وكان المكتب البريطاني في القاهرة يعتزم سحقه بواسطة عمل تخريبي داخلي في وقت لاحق من عام 1916. 



المصدر: الجزيرة
مواضيع قد تهمك × +

عن الكاتب

IQN Agency

التعليقات


اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

وكالة خبر Wkalt 5abar

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.